Tuesday, February 6, 2007

أبتسامة أبيض فى أسود ...فى دموع

Photobucket - Video and Image Hosting

بالتأكيد حملت قدرا من الأمتنان الى عقارب ساعتى عندما زفت الى انه موعد الانصراف ..كان يوم من تلك الايام المرهقة المتخمة بالاعمال فنهضت عن مكتبى وأنا ألقى كل عبارات التأنيب التى أعرفها على علماء الفيزياء والطبيعة الكسولين لأنهم لم يقوموا حتى الآن بأختراع تلك التقنية التى تمكننى من تطبيق خاصية الأنتقال الآنى التى أشبعنا منها نبيل فاروق فى روايته لأجد نفسى فى ذات اللحظة على سريرى فى أعمق انواع النوم .

وفى محاولة لترشيد ما تبقى لى من أنفاس فى ذلك اليوم قررت التوقف عن اللوم وأدخار المتبقى من طاقتى فى محاولة الوصول الى محطة المترو أو كما سمتها صديقتى (بروفة الحرب) .


لم أردد لنفسى قرارى اليومى بالتوقف عن العمل وألتزام المنزل من الغد عندما صعدت الى عربة المترو ولم أجدها - كعادتها - مزدحمة ... و لهؤلاء ممن لم يتعاملوا مع تلك القطارات الصغيرة من قبل – لا اعرف كيف تمضى أيامهم صراحة – فغير مزدحمة تعنى ان عدد الواقفين يساوى عدد الجالسين على كل المقاعد الممتلئة بحيث يمكنك الوقوف مستقيما دون أن تستقر قدم أحدهم مطمئنة آمنة فوق قدمك .

أسندت ظهرى الى العمود المواجه للباب وقررت ان أفكر فى اللا شىء وقبل أن أغمض عينى صعدت مجموعة من الفتيات الصغيرات ما بين الطفولة والمراهقة يرتدين ألوان زاهية متنوعة بشكل مضىء فتراجعت عن قرارى .

بدأن فى ضجة منخفضة من الضحك والحكايات وسعادة تبدو حقيقية عبثت بجزء ما فى ذاكرتى أستدعت به وجوه صديقات المدرسة التى لم تفلح الايام فى محو ملامحها ...
كنا مجموعة متنوعة مثلهن , بينهم فتاة قصيرة كما كانت بيننا دعاء ... دعاء كانت دائما تشعرنى أنها استنساخ من أمها, تفكر وتعبر مثلها , أتذكر اليوم الذى نظرت الى فيه كأنى بلهاء عندما لم أفهم لما تعاتبنى على قبولى تبادل السندوتشات مع سوزان, زغدتنى فى ذراعى ثم "ايه يا بنتى.. انتى مش بتقرفى " لم أفهم و أعتقدت حينها انها تشمئز من الوشم الرباعى الصغير فى يد سوزى .

و مثل سارة كان بينهم تلك الفتاة الأنيقة برقة مميزة ... كانت سارة سريعة التأثر بأى شىء , وكان ذلك يملأ رأسها بالعديد من الأفكار الهشة ,, فى يوم ذهبنا سويا لتصوير ملزمة الدرس وبعض أن عثرنا أخيرا على مكتبة تصوير أخبرتنى أنه علينا أن نبحث عن أخرى لأن صاحب المكتبة كما رأته عبر الزجاج " عنده دقن ومقصر بنطلونه .. أنا مش برتاح للناس دى " أندهشت و جذبت الورق من يدها ودخلت , فدخلت ورائى مستسلمة كالعادة .

طبعا لم تكن المجموعة تشبهنى وصديقاتى فى الألوان الطبيعية ... كانت لهم أسنان وعيون تبدو بيضاء بلمعة ساطعة على خلفية وجوههم السوداء مع ملامح أفريقية غير مصرية .

أنتبهت فى تلك اللحظة أن الزحام يزيد فى كل أنحاء العربة ماعدا الجزء الذى وقفت فيه بجوارهن , يبدو أن البعض كان يتجنب الصعود من الباب الذى استقرت المجموعة أمامه , ربما لم يرغبوا فى الأحتكاك بذوى الوجه المظلمة .

عن الأحتكاك أتذكر يوم أن عاتبت والدة دعاء والدتى لأنها تترك أبنة البواب تلعب معنا عندما تزورنا أبنتها , و أستطردت بأنها تخشى على أبنتها الأحتكاك بمثل هؤلاء " وكدا هتخلى البواب ياخد عليكوا كمان, ناقص بكرة تجيبى ولاد السباك والنجار" , قضيت بعدها أياما أنظر بتمعن الى مروة ابنة البواب كلما رأيتها محاولة أكتشاف ما يجعلها من (هؤلاء ) ممن تتوجس منهم والدة دعاء .


رويت ذلك لأستاذ رأفت ( مدرس العربى والدين وكان يعلمنا الحياة أيضا ) يوما وأخبرته انى لم أستطع أكتشاف ما هو الغريب المختلف فى مروة أو سوزان أو حتى سارة ودعاء ووالدتها , فضحك وأخبرنى أنها فقط أفكار البعض تصور لهم أحيانا أن للطين أنواع ذهبية و أخرى من النحاس , وأن البعض يفضل الخوف من المختلفين عن أن يتقبل هذا الأختلاف.


أوقفت شريط الذكريات وكنت أستعد للنزول عندما أخذت أحدهن نظارة الشمس من أخرى فى مشاجرة تمثلية ولمعت ضحكاتهن البيضاء مرة أخرى , فأبتسمت ... وشاركتنى تلك الفتاة النزول فى نفس المحطة لكن خطواتى كانت أسرع منها ومن الأحداث التالية فلم أستوعبها كلها ...
مجموعة من الصبية الصغار المشاغبين - ممن يعتبرون تلك المحطة منتزها يوميا و مكانا مناسبا لمضايقة الأخرين – بدأوا فى قذف الفتاة بألفاظ قاسية من نوعية " الدنيا ضلمت ليه , الفحم وصل , حاسب دى بتبقع " , ربما جذبها أو دفعها أحدهم فأسمع صوتها عاليا غليظا بالعربية بلهجة متعثرة تهدهم بأن يبتعدوا عنها , قبل أن أصل الى سلم الخروج أشعر بالخسة, ما كان يجب أن أتركها وحيدة , لكنى جبنت , ماذا لو أوذيت أنا أيضا من هؤلاء الصبية , ماذا لو عاملتى هى بعدوانية , كيف لى أن أعرف كيف يفكر (هؤلاء) .


قبل أن أحسم أفكارى عبرت الفتاة بجوارى كالصاروخ و سبقتنى الى السلم , حمدت الله أنها لم تتعرض لأذى وأستأنفت طريقى فأدركتها فى منتصف السلم , أقتربت منها فى تردد , أستجمعت ثقتى ولمست كتفها ثم همست " لما يضايقك حد تانى مترديش عليهم , ابعدى عنهم " على عكس ما توقعت نظرت الى وأجابت فى صوت ذائب فى الخجل والرقة بـ"حاضر" , وفى عينيها لمحت ما يشبه لمعة ضوء السيارات خلف شبورة الصباح , وسقطت نظارة الشمس المكسورة من يدها .


14 comments:

shakespearian girl said...

gamela awe lolo keep goin ...
i always imagine what u write as i saw a movie :)
i like it

مَلَكة said...

رائعة والله يا ولاء
أولا وصفك لأنواع التفرقة واستعادتك لذكريات المدرسة وكأنك بتعملي انسياب للذكريات،كل عنصر بيفكرك بحاجة قديمة ودي عملتيها صح أوي هنا
وانعكاسات الماضي على الحاضر وكأنها بتمثل الوجه الآخر للعملة
ثم قبل النهاية وضحتي تأثير كل ده على البطلة رغم انها مكنتش عايزة تتطبع بطبع التفرقة زي الناس
وتغلبها في النهاية على خوفها وكسر الحاجز اللي اتكون بمرور الوقت

الأسلوب انسيابي جداً محسيتش فيه بأي انقطاع أو خروج عن جو القصة،التشبيهات والصور جت في مكانها بالظبط وكل تفصيلة كنتي عارفة تحطيها فين بالظبط
أقدر أقولك بجد والله إنها من أفضل القصص اللي قرأتها مؤخراً

تحياتي ليكي:)

أشرف حمدي said...

تدوينة أقل ما يقال عنها انها ممتازة
ان لم تكن مذكرات حقيقية فهي قصة قصيرة ذات محتوى أدبي عالي
تحياتي

Veeeva said...

OMG walaa i didn't know ur arabic is that good!!!!

mabrook 3ala el blog (too late i know) and i've just added it to my fav.
so i'll keep checking it!!!!!

Yasmine Adel Fouad said...

حلوة اوى يا ولاء
فيها بريق الحقائق مع لمعة الابداع
و يمكن اكتر حاجه عجبتنى اجابة البنت الصغيرة عليكى و رأى استاذ رفعت

بس فى غلطة ضغنونه

بذوى الوجه المظلمة

الوجوه مش كده

مبروك البلوج اخيرا
بس مش قلتلك هتعملى البلوج فى يوم

لولولولولولولى
مبروك بقى

KING TOOOT said...

الزمن بيعلم الأنسان حاجات
و يدوّب فيه الأمل و الأمنيات
صحيح بيقدر يبقى قاسي و كمان بغيض
لاكن لايمكن يوم حايقدر ع الذكريات
وعجبي
__________________
البشرة سودا لاكن الأحلام برونز
و العين بتلمع والفرح جواها كنز
و الضحكة صافية كأنها ضحكة أميرة
في يوم فرحها على الأمير ، قصدي البرنس
وعجبي
__________________
KING TOOOT

mohamed elbanna said...

برافو عليكى يا ولاء
جميلة قوى وجميلة أكتر استطرداتك الناعمه ورجوعك تانى للموضوع بهدوء واحترام وكمان ارتباط الموضوع من الأول للآخر والدليل (هؤلاء) عموما لى نصيحة
بعد ما تخلصى دراسة ركزى فى كتابة القصص والروايات - انا بتكلم بجد-
على فكرة
شكرا على زيارتك لمدونتى المتواضعة
ولو تحبى اكتبلك موضوع عن آلة الانتقال الآنى الإسلامية أنا مستعد

-_- said...

ياه .. كل حاجة بتروح و بتفضل الذكريات

متغيرة شوية said...

ازيك يا لويا

مش هتكلم على الناس اللي بتكتب وتدكن ، لكن هقول انك يتتطوري بسرعة رهيبة ما شاء الله

ربط الفلاش باك بالحاضر ي القصة موفق جدا ، وكمان لاختيارك مواقف معينة علشان تسرديها

بالتوفيق يا رب

إنسان || Human said...

اولا مبروك على التدوين الأسلوب الخاص ده ...ثانيا أنا كنت عايز أتكلم على الموضوع ده خصوصا عن النظرة العنصرية والطبقية في مجتمعنا ...من تريقة على الصعايدة والفلاحين ..إلى الفقراء ..و ذوي البشرة السوداء . والدين..الحقيقة كلنا بشر واتمنى مابكونش الكلام ده موجود لأنه ممكن يعمل فتن وكوارث

m_elsewedy said...

انا كمان بتضايق لما العيال يضايقوا العيال السمر دول بتبقى حاجة موجعة جدا

تحياتى ليكى وعلى اسلوبك الرائع
:))

FATMA said...

ده اروع مثال لمناهضة العنصرية بجد رائعة

salwa hegazy said...

بكرة ذكرى وفاة سلوى حجازي
21 فبراير
افتكرها ببوست

Ahmed-Rahal said...

السلام عليكم

بداية , أنا اكتشفت هذه التدوينة عن طريق لنك على جروب
Together against Stigma , Discrimination & Stereotyping - facebook.

انا مش عارف أقول إيه !! أذهلتني التدوينة و أسلوبها السلس و أفكارها العفوية , و المرتبة رغم ذلك

براعتك التصويرية و استدعاء الصور من مخزون خبراتك هو موهبة تحسدين عليها

أكثري من الكتابة , و أكون فعلا سعيد للغاية لو شاركتينا المناقشة على الجروب , و شاركتينا الحلم و المشروع

urs , Ahmed Rahal