Wednesday, November 28, 2007

دمـــوع البــصــــل





ينبئني شتاء هذا العام أن ما ظننته

شفاي كان سُمي

وأن هذا الشعر حين هزّني أسقطني

ولست أدري منذ كم من السنين قد جُرِحت

لكنني من يومها ينزف رأسي*


أنا قليلة الصبر على الدراما التلفزيونية .. لا أتحمل ان أجلس قرابة الساعة لمشاهدة حلقة (كاملة) من مسلسل أى كان , وبالطبع خارج نطاق استمتاعى أن اتابع حدث طويل ممتد الى 30 حلقة .. 30 يوم , ليه يعنى ! .. لذلك عندما صادفتنى نهال عنبر وهى تصف لزوجها انها (مخنوقة مخنوقة مش قادرة .. عايزة أعيط ومش عارفة ) وكان واضحا ان من يقوم بدور الزوج الحنون قد ألحق فشلا بآخر فى محاولات اخراجها من تلك الحالة حتى ذهب بها الى مطعم تشى توتو الذى يمتلكه سمير غانم وفاروق الفيشاوى أبطال المسلسل .. تذكرت انى شاهدت دقيقتين من حلقة اليوم السابق من نفس المسلسل وأستنتجت انها حلقات منفصلة وأغرانى ذلك بالمتابعة الى جانب طبعا شوقى لمعرفة أى طريقة مبتكرة سيخرج بها الثنائى صاحب المطعم زبونتهم من أحزانها أو بشكل أدق كيف سيخرجوا أحزانها الحبيسة منها ...

يبدأ نجاتى أو سمير غانم بالمحاولة .. يحكى لها بتأثر عن أحزانه وذكريات مؤلمة من حياته .. فتكون النتيجة ان تنطلق منها ضحكات بدلا من الدموع

ويستمر من محاولة فاشلة الى أخرى حتى انه ينصح زوجها ان يلطشها ألمين .. فتكون النتيجة ان تردهم اليه عشرة !

ثم يأتى عادل او فاروق الفيشاوى بالحل !

يذهب الى الزوجة بطبق يحتوى بصلتين و سكين ويطلب منها ان تبدأ فى تقطيع البصل ويبدأ هو فى التحدث كساحر فى خطبة قصيرة يحسها ان تتذكر كل أحزانها وكل ذكرياتها المؤلمة .. كل الأعزاء الذين رحلوا والذين خدعوا , تذكرى البؤساء فى كل انحاء العالم , من لا يجدون الطعام , المرضى والمشوهين .. وهكذا

وتنجح طقوس البكاء تلك فى أطلاق دموعها ثم شفاءها .

المسلسل ليوسف معاطى ويدور فى أطار كوميدى .. الطرح الكوميدى لفكرة الأحزان والوجع يحتاج قدر من الأبداع فعلا .

باقى الحلقة يدور حول جعل المطعم ككل يغرق فى دموع زبائنه بتقديم خدمته الخاصة جدا بطريقة طقوس البكاء .

فى أضواء خافتة و ترابيزات ممتلئة عن آخرها برواد مشتاقين الى الدموع يبدأ الندلاء بتقديم الطبق الأفتتاحى .. بصلتين وسكينة .. ويحث عادل الرواد على أخراج ما فى نفوسهم الممتلئة بالهموم .. ويبدأ الجميع فى التقطيع والنحيب والدموع .

الرواد من كل الأعمار والطبقات , ليوثق حقيقة ان لكل همومه .

وحيث يجلس رجل كبير وقور نعرف فيما بعد انه سيادة المستشار يستأذنه 3 من الشباب المكتئب الساعى الى الدموع فى مشاركته المائدة لأزدحام المكان (لاحظ شاعرية الوصف .. شباب مكتئب .. شباب يائس , هناك شىء خاطىء الا يبدو لنا الوصف مستهجنا .. اعتدناه! )

يفزع الرجل لفكرة ان يأتى من هم فى أعمارهم لمكان كهذا وأمامهم من العمر قدر ما أستهلك هو الذى لم يعد أمامه الكثير.. فتبدأ مشاهد تعريفنا بهم وبهمومهم .. خريجين أداب وتجارة وفنون مسرحية .. الأول اليوم خطوبة حبيبته الى عريس جاهز لأن ابيه كراجل كبير محترم مثل سيادة المستشار هزأ من رغبة ابنه فى التقدم ليخطب حبيبته ووالدها راجل كبير محترم مثل ابيه وسيادة المستشار كان سيرفض حتما شاب فى أول طريقه مثله ..

الآخر أعياه البحث عن عمل وقتل أحلامه .. خرب من الداخل لكنه مازل يمثل التماسك اما اسرته التى تعقد عليه امالا .. وعندما استفهم المستشار لماذا لم يلجأ الشاب الى احد من أقاربه المهمين ليتيح له فرصة عمل أجابه بسخرية ممزوجة بألم بأنه أهم واحد فى عيلته و ان أحلاما تبنى عليه .

الأخير موهوب كتب فيلما واعد السيناريو وذهب به الى منتج او مؤلف كبير الذى يسرق منه عمله ليفجأ به فى دور عرض السينما باسم شخص آخر .

ثم فى مشاهد قصيرة لا قيمة لها يخبرنا عادل ونجاتى انهم قاموا بحل مشاكل هؤلاء الشباب .

عقدت مقارنة حينها أغاظتنى .. لماذا يصر كتاب الدراما على أظهار الجامعيين المحبطين المتخبطين فى الحياة من خريجى كليات التجارة و الأداب وأحلامهم المهشمة.. و عندما يميلوا للتغير يبدأوا بالمهندسين ثم الأطباء حديثى التخرج ... وعندما يذكرون الصيادلة فهم فى الغالب قتلة وفاسدين ! حتى الأحباط مش واخدين فرصتنا فيه .

تذكرت حكاية صديقتى مرة عن اندهاشها من كثرة الباكين فى وفاة جدتها حتى انها ابدت دهشتها لأمها انها لم تكن تعرف ان جدتها العجوز تعنى الكثير لهؤلاء غير القريبيبن .. فأخبرتها والدتها عن السر المعروف .. كل واحدة بتفتكر اللى ماتولها وتعيط عليهم مش على جدتك .

انت تبكى لأحزان الأخرين عندما تلتقى مع جزء من همك .. يستفز المشهد المؤثر دواخلك الحزينة أو المستكينة , تبتل الرواية فى يديك عندما ترى نفسك او عزيز عليك فى موقف بطلها وليس تعاطف برىء مع مجهول وهمى .

الآن بين أيديكم الوصفة .. ألتزموا فقط بالطقوس .. جو هادىء , ضوء خافت و تجنبوا الأماكن المفتوحة .. وفرة الأوكسيجين تسبب البهجة .

لا تنسوا المحارم الورقيةالـ soft tissues

وطبعا البصلتين والسكين !



الحقيقة مذهلة زى الخيال .. والمشاكل كلها علو الجبال*

والسكك بتضيق علينا .. واختيارنا بين أدينا

وأحنا عارفين من زمان !


*من قصيدة لصلاح عبد الصبور
* من أحدى مسرحيات محمد صبحى



4 comments:

NoOR said...

الكومنت ده مش رد للجميل ;) رغم ان كومنتك قاعدك وحسنه قليله تمنع بلاوي كتيره

بس بجد بوسط لذيذ و فكره المسلسل جامده بس سؤال هو بيجي امتي وعلي ايه أنا بموت في كتابه يوسف معاطي

بي اس : احيكي علي اقتباسك لشعر أحمد مطر

شقاوة شعب said...

بجد تدوينة مفتكسة
ودمها خفيف

وماتمك عندها حق جدا فى جزئية ان كل حد بيفتكر ميته او همومه ويعيط عليها مش على الشخص اللى مايعرفوش او مايعنيلوش اى حاجة

بدليل اننا لم بنتفرج على فيلم اجنبى حزاينى قوى ونقعد نعيط .. وبعد مايخلص وندخل ننام نفضل برضه فى مود النكد ولسا دمعونا بتنزل ..
اكيد يعنى مش على البطلة


سيعدة قوى انى زرت مدونتك

تحياتى
شيماء

rack-yourminds said...
This comment has been removed by the author.
rack-yourminds said...

اولا :بجد موضوعك جميل جدا

بداية انا زيك معنديش طولة روح اتابع مسلسل لمدة تلاتين يوم لكن لو فيه مسلسل جميل وهادف اكيد بتابعه

-------

والله بجد حال الشباب الايام دي يحزن, اعتقد ان الاغلبيه محبطين.. بطبيعة الحال البطاله سبب رئيسي للاحباط ده ,الشاب بعد ميتخرج عاوز يشتغل ويتزوج ويكون اسره ومش قادر يحقق اي حاجه من كل ده اكيد هيحزن وهيحبط وهيبكي

الله يكون في عونا

تحياتي لكي وبجد موضوعك جميل جدا